حلّت نهاية العقد الأول من القرن
الواحد والعشرين، فاتحة عهد جديد طبَعه مدٌ غير مسبوق من الحراك الشبابي المفعم
بالآمال، والمعتدّ بوسائط الإتصال الأكثر حداثة، حاملا معه روحا جديدة شعارها
الحرية والمساواة والعدل، ومنطلقها إرادة الشعوب في الحياة، وهدفها الأسمى تحقيق
الكرامة الإنسانية، وبناء دولة القانون التي عمادها التداول على الحكم وفصل
السلطات واستقلال القضاء وسمو القانون والتدبير المعقلن لشؤون المجتمع، وهي القيم
التي وإن ظنّ الكثيرون أنها ثقافة حديثة مستحدثة، وردت علينا من خارج مجالنا
الثقافي الخصوصي، إلا أنها بالنسبة لنا معشر الأمازيغ، هي قيم ثقافتنا الأصلية
وجوهر هويتنا وكياننا الحضاري الذي انحدر إلينا عبر الحقب التاريخية مع ما ترسّخ
من تقاليد الديمقراطية المحلية الفريدة، قبل أن يتمّ اختزال هويتنا في بعد وحيد
داخل الدولة الوطنية المركزية، التي اعتقد منظروها من "الوطنيين" أن لا
سبيل إلى تقويتها وتمتين الوحدة بين المغاربة بدون خلق التجانس المطلق على حساب
تنوعهم الخلاق، والتوحيد القسري على أساس مرجعيات أجنبية في التفكير والعمل.
فلا عجب أن يبادر
الأمازيغ بلا تردّد بدعم هذا المدّ الثوري المُطالب بالتغيير، وأن يكونوا في طليعة
القوى الداعية إلى وضع أسس الإنتقال السلمي نحو الديمقراطية، متحدين في الأهداف مع
غيرهم، معتبرين قضيتهم جزءا لا يتجزّأ من المشروع الديمقراطي، إذ لا حياة
للأمازيغية بدون الحرية، وبدون المساواة والعدل.
و إننا نحن أصحاب
هذا النداء، لنؤكد بكلّ صدق بأنّ ما يحركنا هو حبّنا لوطننا الذي ليس لنا وطن
سواه، والذي نعرف بكل تدقيق مقدار التضحيات الجسيمة التي بذلت من أرواح أبنائه من
أجل أن يظلّ وطنا حرّا من أية وصاية أجنبية، كما يحركنا وعيُنا الديمقراطي بدقة
المرحلة التي تجتازها بلادنا، وهو وعي مشبع بنزعة إنسانية عُرف بها الأمازيغ منذ
القديم، تلك النزعة التي تعتبر الإنسان هو القيمة العليا، وتجعل ما دونه مجرد
وسائل لضمان كرامته والترقي بوضعيته في مدارجالحضارة.
لقد قطعت البشرية
في عصرنا شأوا بعيدا في تقدير قيمة الإنسان واحترام كرامته، ودفع بها ذلك إلى أن
تحدّد بشكل دقيق، الإطار العام للمبادئ الضرورية لصيانة حقوق الإنسان، التي تضمن
المساواة بين جميع أبناء المجتمع الواحد على قاعدة المواطنة، دون تمييز باللون أو
بالعرق أو بالدين أو باللغة، وهي أسمى ما حققته البشرية حتى الآن مقارنة بما كانت
عليه في سابق عهودها من امتهان لكرامة الإنسان، واضطهاد له واستعباد، إما باستغلال
الأديان أو باعتماد النعرات العرقية والقبلية في أنماط الحكم الإستبدادية التي
مِيزتها التسلّط والطغيان.
وها نحن نختار مرة
أخرى، رغم كل أشكال الظلم التي كنا هدفا لها، وكل أنواع التهميش والتحقير التي
استهدفت كرامتنا وكياننا، نختار الإنخراط الإقتراحي الصادق في النقاش العمومي الذي
فتحت بابَه حركة الشارع المغربي، بعد أن هبّت عليه رياح التحرّر من كل جانب،
لنتوجّه بندائنا إلى الأمة المغربية التي بلغت في وعيها بذاتها مرحلة النضج، والتي
لم تنفع الإيديولوجيات الأجنبية المستوردة في إضعاف شعورها بالإنتماء إلى الأرض
المغربية، ذلك الإنتماء الذي يشكل الأساس الأسمى والأول للهوية المغربية، وللتوحيد
بين أعضاء المجتمع المغربي كافة، والذي يمثل الإطار الجغرافي التاريخي للوطنية
المغربية الحقّ، تلك التي تضمّ كلّ المكونات بدون استثناء، والتي يجد فيها
المغاربة أنفسهم بشتى تلاوين انتماءاتهم السياسية والإيديولوجية والجهوية، وهي
الوطنية التي غطى عليها لزمن غير يسير مفهوم اختزالي لـ "الوطنية" تمّ
تداوله بين أعضاء بعض النخب المدينية منذ الثلاثينات من القرن الماضي، في ظروف
الصراع ضدّ الوصاية الأجنبية الفرنسية، وتمّ بناء عليه إرساء أسس الدستور والتعليم
والإعلام وكل المرافق ذات الصلة بتشكيل وعي المواطن المغربي وتأطير المجتمع، فكانت
نتيجة ذلك تنشئة أجيال من المغاربة على وعي مفارق لواقعهم اليومي، وعلى جهل بحقيقة
الشخصية المغربية التي صقلها تاريخ المغرب العريق.
وكان مؤلما لنا
أشدّ الإيلام منذ فجر الإستقلال أن نرى هويتنا ولغتنا الأمازيغيتين تُستبعدان من
دائرة "الثوابت" التي تمّ إرساؤها، والتي جعلت الوطنية المغربية بمعناها
الرسمي تقوم على ترسيخ الميز ضدّ الأمازيغ، وهو الميز الذي كان يرتدي تارة عباءة
القومية العربية، بما تخفيه من نظرة استعلاء إلى ثقافات الشعوب، ومن شعور بالأبوّة
الحضارية منشأه قراءة انتقائية للتاريخ، وتارة أخرى يرتدي قميص التعصّب الديني
الغريب عن الثقافة المغربية الأصيلة، التي تطبعها منذ قرون طويلة قيم التسامح
والحرية واحترام التنوع والإختلاف.
ولقد كنا لمدة
طويلة من مُدد "عهد الإستقلال" نقول إن ضياع حقوقنا راجع سببه إلى إصرار
بعض أبناء المغرب من الفئة الحاكمة، المعتزين بانتسابهم إلى "العروبة"،
على محاصرة مظاهر هويتنا والتقليص من إشعاع ثقافتنا ولغتنا الأصليتين عبر احتكار
كل القنوات الرسمية الكفيلة بإشاعة المعارف والقيم، وكان القصد من هذه الجهود غير
الشريفة هو إذابتنا في النسيج العربي، ومحو كياننا الأمازيغي، وصهر خصوصيتنا
العريقة حتى نصبح جزءا من وطن كبير يمتدّ حسب الإيديولوجيا العربية "من
المحيط إلى الخليج"، وهو ما يعتبر في اللغة العالمية لحقوق الإنسان نوعا من
"الإبادة الثقافية" Ethnocideالتي اعتُبرت
سياسة إجرامية يدينها الضمير العالمي وتدينها القوانين الدولية لما لها من أثر
سلبي على الثقافات الإنسانية وعلى العلاقات السلمية بين الأفراد والمجموعات. وكانت
من نتائج هذه السياسة أن خنقنا بلدنا في رهان حضاري وحيد هو الرهان المشرقي،
وأفقرنا شخصيته الثقافية، وأفقدناه إمكانيات النهوض عبر الإستفادة من النماذج
الحضارية البديلة والأكثر حيوية وحداثة، كما تمّ إفقاد المجتمع المغربي بوصلة
القيم والهوية التي كان من شأنها أن ترشدنا إلى كيفية الإنطلاق من ذواتنا عوض
استنساخ نماذج ثقافية ظلت تعاني على مدى عقود طويلة من عسر هضم للمعارف الحديثة،
ومن انحباس في طاقات الفكر والإبداع الخلاق، قبل أن تغلب عليها نوازع النكوص
والإرتداد إلى الماضي، بعد أن فشلت في مواجهة تحديات الحاضر.
وقد رافق ذلك كله
إرساء دعائم الإستبداد في الحكم بتكريس الصلاحيات المطلقة للحاكم الفرد، واحتكار
السلطة والثروة والموارد والقيم من طرف العائلات الحليفة للنظام، مما أشاع ثقافة
الفساد والإفساد، وضيّع على المغاربة فرص النهوض والتنمية.
ولأنه لا يضيع حق
من ورائه طالب، ولأن أصواتنا التي جهرت بالمطالبة بحقوقنا كفيلة بأن توقظ من غفلته
من ظلّ يتجاهل النسبة العظمى من أبناء هذا الوطن، فقد ساعد السياق التاريخي الذي
عرف انتقال العرش عام 1999، وما أحاط به من تحديات ورهانات وأحداث جسيمة وطنية
وإقليمية ودولية، على صدور أوّل التفاتة جدّية من الملك محمد السادس إلى مطالبنا
المشروعة يوم 17 أكتوبر 2001، والتي أعطتها نفسا جديدا انبعثت معه آمال متجدّدة في
نفوسنا، غير أنها كانت التفاتة لم تعقبها خطوة توفير الضمانات الدستورية والحماية
القانونية للتدابير التي انطلقت داخل المؤسسات، مما أدّى إلى اصطدام إرادتنا
الحسنة بانتشار ذهنية الميز المستحكمة في النفوس والأذهان، وبالمرجعية القانونية
المعتمدة والتي لا تعترف بوجودنا الهوياتي ولا بلغتنا وثقافتنا ومنظومة قيمنا، مما
أدّى إلى إفشال مشروع النهوض بالأمازيغية في العديد من المجالات، وظهور البوادر
الخطيرة للتراجع حتى عن المكاسب الضئيلة التي تحققت في العشرية الأخيرة.
وها نحن بعد عشر
سنوات من هذا الإعتراف النسبي بأمازيغية المغرب، ما زلنا نجد أنفسنا في وضعية
الشعور بالهَوان "الحكرة" كلما قرأنا نصّ الدستور المغربي الذي يتجاهل
تجاهلا تاما وجود "تيمّوزغا"هويتنا العريقة،
كما يتنكر تنكرا تاما للغتنا الأمازيغية التي هي إرث مشترك، انحدر إلينا من أعماق
التاريخ بشكل لا يخلو من إعجاز، حيث انقرضت جميع اللغات تقريبا التي كانت مجاورة
للغة الأمازيغية في حضارات حوض البحر الأبيض المتوسط، وظلت هي حية شاهدة على حضارة
عريقة، إلى أن أخبرنا الإحصاء الرسمي في السنوات الأخيرة بأن عدد الناطقين بهذه
اللغة قد انحدر من الأغلبية الساحقة لسكان المغرب في بداية الإستقلال، إلا 28 في
المائة فقط، مع العلم أنّ هذه النسبة هي دون الحقيقة بكثير، لكنها تؤكّد وجود
نوايا لدى المسؤولين لتقزيم حضور الأمازيغية في المجتمع، حتى يُعتبر الأمازيغ
أقلية لغوية مهمشة، وهو ما يعني أنّ لغتنا الأصلية العريقة تواجه خطر الإنمحاء
واللحاق بلائحة اللغات المنقرضة.
ما زلنا نشعر
بالإمتعاض كلما قرأنا في نص الدستور أو سمعنا في نشرة الأخبار أو الخطب الرسمية
عبارة "المغرب العربي" التي تختزل هوية بلداننا المغاربية في بعد وحيد،
ضدّا على حقائق التاريخ والجغرافيا وثقافات الشعوب وألسنها.
ونشعر بالغضب كلما
سمعنا بأنّ تاريخ الدولة المغربية يمتدّ إلى إثني عشر قرنا فقط، وهو تاريخ مقدم
رجل عربي واحد لجأ إلى المغرب، وآواه الأمازيغ من خوف وأكبروا شأنه بعد أن كان
طريدا شريدا، ليصبح في الإيديولوجيا الرسمية هو بداية الدولة والحضارة المغربيتين،
وليتمّ التشطيب على كل الماضي التاريخي للدول والممالك المتعاقبة على أرض المغرب
منذ القديم
نشعر بالميز
الصراح كلما وجد المواطن الأمازيغي اللسان نفسه ملزما بالتكلم بلغة لا يتقنها،
والتنازل عن لغته في الإدارة والأوساط الرسمية، بل وحتى في المحاكم التي هي المجال
الذي أنشِىء من أجل تحقيق العدل وإنصاف المظلومين، وليس لتكريس الميز بين الأفراد
الذين هم من حيث المبدإ متساوون في حقوق المواطنة.
نشعر بالظلم كلما
وجد الواحد منا نفسه مضطرّا للجوء إلى القضاء من أجل تسجيل إسم أمازيغي لطفله
الوليد، عندما يخبره ضابط الحالة المدنية بأنّّ الإسم الأمازيغي غير مقبول لأنه
"لا معنى له بالعربية"، أو لأنه "يخدش الحياء" في اللغة
العربية، أو لأنه غير وارد في لائحة جامعة مانعة وضعتها وزارة الداخلية وعمّمتها
على جميع مكاتب الحالة المدنية.
نشعر بالإهانة
كلما جلسنا لمشاهدة القنوات التلفزية المغربية التي نمولها من ضرائبنا، والتي
باستثناء القناة الثامنة ـ التي تفتقر إلى الإعتمادات المالية الكافية ـ لا تبثّ
أكثر من 1,8 في المائة بالأمازيغية، وهو القدر الذي يقلّ عما تبثه من الأفلام
الهندية أو بأي لسان أجنبي آخر.
نشعر بالإحباط
عندما تُوزّع كلّ الكتب المدرسية على التلاميذ ما عدا كتاب اللغة الأمازيغية الذي
يظلّ مفقودا طوال السنة، وعندما تمتنع الأكاديميات التربوية والنيابات عن القيام
بالواجب من أجل إنجاح تعليم اللغة الأمازيغية، دون أن تلقى أية محاسبة من
المسؤولين، مما أدّى إلى تراجع إدراج هذه اللغة في النظام التربوي.
نشعر بإرهاب
السلطة والمستحوذين على مراكز القرار كلما تمّ إدراج مضامين إيديولوجية في الكتب
المدرسية انسجاما مع نزعات تيار سياسي معيّن، دون الحرص على الموضوعية العلمية
وعلى احترام المعايير البيداغوجية، مما ينتج منه تبخيس دور الأمازيغ في تاريخ
المغرب، وطمس حضارتهم وهويتهم عبر تحريف وقائع بالتأويل الإيديولوجي وإخفاء أخرى.
نشعر بالإقصاء
كلما رفضت السلطات المحلية إعطاء وصل الإيداع القانوني لتأسيس جمعية أمازيغية،
وكلما تدخلت لمنع تظاهرة ثقافية أمازيغية في الوقت الذي تقام فيه بدون مشاكل، وفي
مختلف مناطق المغرب، تظاهرات من أجل الثقافة واللغة العربيتين، وكلما تدخلت
السلطات لمنع الكتابة على واجهات الفضاء العمومي بالحرف الأمازيغي العريق تيفيناغ
الذي أصبح منذ 2003 حرفا للتدريس داخل المدرسة المغربية كخيار وطني وقرار للدولة
المغربية، رغم أنها لا تعترض على الكتابة بلغات أجنبية.
نشعر بالألم كلما
رأينا غلواء التعريب الإيديولوجي يمتدّ إلى أسماء المدن والأماكن والجغرافيا
المغربية الناطقة بالأمازيغية، فيتمّ استبدال أسماء بأخرى من لغة مغايرة، أو تحريف
أسماء ونطقها بشكل يفقدها معانيها الأصلية (كما حدث بالنسبة لأزيلا وأشاون وتطاون
وأسّفي وإفران إلخ..) ، رغم ما تنصّ عليه العهود والإتفاقيات الدولية من خلاف ذلك
حفاظا على تراث الأمم والشعوب وهوياتها الثقافية.
نشعُر بالعبث كلما
علمنا بتعيين أعضاء مجلس أو لجنة وتكليفهم بالبتّ في شؤون البلاد واقتراح أساليب
تدبير قضية من القضايا الوطنية، دون أن تتمّ مراعاة تمثيلية الفاعل الأمازيغي الذي
يظلّ مبعدا ويتخذ غيره القرار نيابة عنه بالوصاية، فلا يجدُ إلا الصحافة والإعلام الوطني
والدولي للتعبير فيه عن احتجاجه ومقترحاته التي لا تؤخذ بعين الإعتبار. ونحن نعتبر
أنّ من أكبر أسباب طمس هويتنا وتهميش لغتنا وثقافتنا وإفشال النهوض بهما في
المؤسسات هم هؤلاء الأعضاء المنتسبون إلى "العروبة"، والذين لهم الصدارة
في جميع منصات القرار، يحتكرون مناصب الترأس والسلطة، وهم فوق ذلك لا يتورعون عن
ممارسة الوشايات المغرضة والسعايات الكاذبة ضدّ أي مكسب من مكاسب الأمازيغية،
دافعهم إلى ذلك نوع من العنصرية الفردية المجانية، والرغبة في الإنتقام لأحقاد
قديمة.
نشعر بهدر كرامتنا
عندما نرى المناطق التي يسكنها ناطقون بالأمازيغية فقط، والتي هي في غالبيتها
مناطق تميزها قساوة الطبيعة، وقد ظلت تعاني التهميش الإقتصادي والإجتماعي على مدى
نصف قرن من الإستقلال، رغم أنها كانت في طليعة النضال من أجل التحرر من الوصاية
الأجنبية، وعوض أن تكافأ على ذلك بتنميتها تمّ انتهاجُ سياسةٍ نحوها أشبه
بالإنتقام، سياسة تعتمد احتكار الثروة والموارد على حساب الأغلبية الساحقة من
السكان. كما يؤلمنا أن نرى سكان العديد من المناطق الفقيرة التي ابتليت بوجود
مناجم تختزن ثروات طبيعية هائلة، يتمّ استغلالها على حساب مصالحهم، مع تلويث
البيئة واستنزاف المياه الباطنية والقضاء على الغطاء النباتي وتدمير الطرق، وفي
ذلك خرق سافر لكلّ القوانين الوطنية والدولية، والتي تعتبر أول شروط استغلال
الثروات الطبيعية احترام حقوق السكان ومصالحهم.
نشعر بالإقصاء
عندما نرى كيف تستمع الهيآت والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان إلى أصواتنا، و كيف
تتقبّل مطالبنا وتعتبرها من صميم الديمقراطية، بينما يتنكّر لها بعض ذوي القربى من
أبناء وطننا المنتسبين إلى "العروبة" قبل انتسابهم إلى المغرب، والذين
يرون في كلّ اعتراف بالأمازيغية "خطرا" يتهدّد كيانهم، مع العلم أن كياننا
وكيانهم واحد، تفاعلت بداخله الأمازيغية والعربية وتبادلتا التأثير والتأثر على
مدى قرون طويلة، خدم فيها الأمازيغ العربية، دون أن يبذل العرب شيئا في خدمة
الأمازيغية، بل تسابق بعضُهم بعد الإستقلال للتعبير عن "وطنيتهم"
بالعداء لكل ما هو أمازيغي، وقد آن الأوان أن يقوموا بواجبهم تجاه اللغة الأصلية
لسكان المغرب، تحقيقا للمساواة، وتعميقا لمعنى "تامغرابيت" التي تجمعنا. نشعر
بالحيف أن نسمع مواطنين لنا من خطباء المساجد المنخرطين في تيارات التشدّد الديني
الشرقاني، يستغلون موقعهم من أجل الإساءة إلى هويتنا الأمازيغية وربطها بالعمالة
للأجنبي ، دون أن يكون لنا حق الردّ عليهم من نفس المنبر الذي أنشئ للعبادة لا
لإحداث الفتن السياسية، وهم في ذلك إنما يخلصون الولاء لإيديولوجيا القومية
العربية بعد أن لبست جبة الإسلام السياسي في لحظات احتضارها الأخيرة نشعر
بـ"الحكرة"، ولا يخفى ما يترتّب عن الشعور بها من احتقان لدى المواطنين
الذين يتزايد عددهم يوما عن يوم، وهو الإحتقان المفضي إلى الإنفجار ذودا عن
الكرامة المهدورة، إذ لا مواطنة بدون الشعور بالكرامة.
وها نحن لم يعُد
لدينا اليوم بُدّّ من الإعتراف بأنّ الشعور الذي لدينا بالتهميش والإقصاء، قد
جعلنا نصل إلى حدّ أن نطرح السؤال: هل نحن غرباء، لاجئون أو مستعمَرون ؟ هل نعيش
احتلالا أجنبيا من طرف أقلية لا تبالي بهويتنا ولا بثقافتنا ولا تشترك معنا في نفس
الشعور بالإنتماء إلى الذات المغربية المتعددة المشارب، والتي تعدّ الأمازيغية
فيها بمثابة النسغ المغذّي لمختلف الثوابت والمتغيرات، ورمز الخصوصية المغربية
الذي لا يُنكَر؟
إن مبعث هذا
السؤال الخطير هو شعورنا بأن المسؤولين لا يقتسمون معنا همُومنا، ولا يأبهون لما
يضرّ بنا ويمسّ بكرامتنا، وإذا كانت المَلكية قد اعتُبرت منذ عقود من تاريخ المغرب
الحديث بمثابة الحَكم بين كل الفرقاء، وعنصر توازن في الحياة السياسية المغربية،
فإنّ شعور الأمازيغ بانحياز المؤسسة الملكية إلى طرف دون آخر، بل لعائلات بعينها
قد أصبح في تزايد في الآونة الأخيرة، مما يجعلنا نتمسك بمطالبنا الديمقراطية
وبضرورة الإصلاح الشامل الذي يؤسس لدولة القانون، ويضمن لكلٍّ حقوقه المشروعة بدون
تمييز أو حيف.
نخلص بعد وصف
الحال إلى بيان مطالبنا الديمقراطية في هذه المرحلة الدقيقة التي يمرّ بها بلدنا،
والتي لا مناص فيها من اعتماد الوضوح السياسي والفكري، والشعور الوطني الصادق، و
النظرة الشمولية المنصفة التي تأخذ بعين الإعتبار كل أسس "تامغرابيت"
الجامعة لكل المكونات، والحسّ التاريخي الذي يجعلنا نفهم طبيعة السياق الذي نحن
فيه، وتحدياته الكبرى، وعوائقه و ممكناته.
وهذه مطالبنا في
هذه المرحلة نوردها كالتالي:
1) بما
أنّ الدستور هو القانون الأسمى الذي يحدّد نظام الحكم، وينظم عمل السلطات والعلاقة
فيما بينها، ويكفل حقوق الأفراد والجماعات، فإنّ إحدى أهم مقومات الدستور
الديمقراطي هو أن يتضمن اعترافا صريحا بمكونات الأمة، وهو ما لم يتمّ أخذه بعين
الإعتبار بسبب الطريقة اللاديمقراطية التي وضع بها أول دستور للبلاد، والتي كانت
انعكاسا لاحتكار السلطة وكافة الإمتيازت. ولذا فلن تجد الأمازيغية لها مكانا داخل
المؤسسات، ولن يتمّ الحفاظ عليها والنهوض بها كما هو مطلوب، في بلد تطبعه التعددية
في كل مجالاته، إلا عبر التنصيص عليها في تصدير الدستور ضمن أبعاد الهوية الوطنية،
ووضع البعد الأمازيغي في صدارة العناصر الأخرى اعتبارا للعمق التاريخي لوطننا،
ولكون الأمازيغية هي الهُوية الأصلية لسُكان المغرب، التي رغم تفاعلها مع كلّ
المكونات الأخرى عبر التاريخ ظلّت تطبع الكيان الحضاري المغربي بطابع خصوصي قوي.
فسواء في ما يتعلق بأصول السكان، أو باللغات التي تعاقبت على أرض المغرب وشمال
إفريقيا، أو بالعناصر الثقافية المختلفة في المعمار واللباس والعادات والتقاليد،
فإن الأمازيغية لعبت دور التوليف التركيبي بين كافة المكونات، التي قامت بصهرها في
نسيج الحضارة المغربية. ومن شأن الإعتراف الدستوري بالهُوية الأمازيغية للمغرب أن
يعيد الإعتبار لكلّ مكونات الثقافة المغربية في شتى المجالات، كما أنه كفيل بجعل
المواطن المغربي واعيا بانتمائه إلى كل عناصر البنيان الوطني بدون استثناء، مما
سيقوّي لديه اعتزازه بوطنيته المغربية، وبتجذر حضارة بلده وعمقها التاريخي، ويكسبه
روح النسبية والتسامح في الإنفتاح على الثقافات الأخرى وغني عن البيان أنّ
التنصيص على الهوية الأمازيغية للمغرب، سيضع حدّا للمنظور الأحادي الإقصائي الذي
كان يختزل هوية المغرب في "العروبة والإسلام"، مما يقتضي أن يُحذف من
الدستور المغربي كل المفاهيم والعبارات التي هي على طرف نقيض مع مبدإ تعددية
الهوية، والتي منها عبارة "المغرب العربي"، التي ينبغي تعويضها بتسمية
شمال إفريقيا التي تتصف بالحياد الموضوعي الذي يحترم كلّ المكوّنات.
2) أن ينصّ
الدستور بجانب أبعاد الهوية المغربية في التصدير على اللغة الأمازيغية كلغة رسمية،
وذلك طبقا لما دعت إليه القوى الوطنية الديمقراطية السياسية منها والمدنية، وما
ألحت عليه توصيات لجان الأمم المتحدة والمنظمات الدولية لحقوق الإنسان، وذلك لضمان
المساواة والعدل بين كافة المواطنين، ولتوفير شروط النماء وفرص التطور للغتين
الرسميتين معا، باعتبارهما إرثا مشتركا لجميع المغاربة. وحتى تتحقق الحماية
القانونية المطلوبة للأمازيغية وتحتلّ مكانتها في التعليم والإدارة والفضاء
العمومي بتشريعات وقوانين واضحة ودقيقة يصدرها البرلمان لتساعد على تنفيذ الخطوات
الإجرائية لمأسسة الأمازيغية في كل المجالات مثلما هو شأن العربية. ولسنا بحاجة
إلى التذكير بأن التنصيص على الأمازيغية في الدستور كمجرد "لغة وطنية"
لا يجدي نفعا ولا يغير شيئا من وضعيتها كما يدلّ على ذلك تجربة البلد الجار الجزائر
منذ عشر سنوات، إذ هي لغة وطنية واقعا وتاريخا وحضارة، بينما يمنحها الإعتراف
برسميتها الحماية المطلوبة لها من سلوكات التحقير والتهميش، كما أن من شأن ذلك أن
يرفع من قيمتها من الناحية المعنوية، ويسمح بتداولها في كافة مناحي الحياة
والأنشطة العمومية والإجتماعية والثقافية والتربوية، وبأن تتبوأ المكانة اللائقة
بها في التعليم ووسائل الإعلام . ومعلوم أن اللغة الأمازيغية تتوفر الآن على معاجم
عصرية وقواعد صرف ونحو موحّدة وعلى أنطولوجيا للآداب وكل مقومات اللغة العصرية.
ولم يعد هناك مجال لاعتبارها غير مهيأة لاعتراف دستوري. ولا يعني الإعتراف
بلغتين رسميتين خلق منازعة بينهما، أو تقسيم البلد إلى أمّتين كما يزعم بعض أتباع
الإيديولوجيات الإقصائية، الذين تربوا في كنف اليعقوبيةLe Jacobinisme، وإنما يعني تحقيق المساواة
بين مكونات الإرث الرمزي المغربي، اقتداء بالدول الديمقراطية التي تتوفر على أكثر
من لغة رسمية في الدستور، والتي ظلت محافظة على استقرارها ووحدتها، بل إن هذا
الإستقرار والوحدة إنما منشأهما هذا الإعتراف بالتعددية وترسيمها في الدستور، حيث
من شأن النزاعات أن تثور في حالة وجود الظلم و استمرار الإقصاء وليس العكس. وفي هذا
الصدد ندعو إلى استلهام تجارب الدول الديمقراطية التي تنصّ دساتيرها على أكثر من
لغة رسمية مثل سويسرا (3 لغات رسمية) وكندا (لغتان) وبلجيكا (3 لغات) وفنلندا
(لغتان) والهند (23 لغة) ولوكسمبورغ (3 لغات) وإرلندا (2 لغات) ومدغشقر (3 لغات) و
نيوزلندا (3 لغات) وجنوب إفريقيا (11 لغة)، بل إن ثمة بلد هو بوليفيا بلغ في
ترسيمه للغاته المتعددة حدّ الإعتراف بـ 37 لغة رسمية في الدستور. إنّ استلهام هذه
التجارب سيغني نظرة المغاربة إلى واقعهم اللغوي، وسيسمح لهم بالخروج من شرنقة
النموذج الفرنسي الذي لا يمكن أن ينطبق على بلد تعدّدي مثل المغرب. كما أن
الإعتراف بالأمازيغية لغة رسمية لا يعني أن تقوم على الفور بكل وظائف اللغة
العربية، إذ من المعلوم أن دساتير الدول الديمقراطية تنصّ على إضافة تفاصيل تحدّد
وظائف اللغات المعترف بها حديثا، ومجالات استعمالها، وما ينبغي توفيره لها من
ضمانات للنهوض بها ورعايتها إن كانت قد تعرضت للتهميش مدة طويلة، وذلك حتى تتمكن
بعد ذلك عبر إنجاح تعليمها وتحقيق إشعاعها وتكوين الأطر فيها من ممارسة وظائف
اللغة الرسمية على الوجه الأكمل وغني عن البيان أن دسترة اللغة الأمازيغية
يقتضي بجانب ذلك دسترة مبدإ حماية الثقافة الوطنية بكل مكوناتها، وإقرار العرف
الأمازيغي كأحد مصادر التشريع بالمغرب بجانب القانون الوضعي والشريعة حتى يتمّ
استلهامه عند الحاجة
3) أن يتمّ
التقسيم الجهوي المرتقب على أساس اعتبار العاملين التاريخي والثقافي، وذلك حفاظا
على انسجام الشخصية الجهوية التي تلعب دورا كبيرا في نجاح مشاريع التنمية، لما
تمثله من لحام سوسيوثقافي قويّ بين أبناء الجهة، ولما تتيحه من إمكانيات اعتماد
الخصوصيات المحلية، حيث ثبت أنّ أيّ مشروع تنموي لا يأخذ بعين الإعتبار ثقافة
الإنسان ولسانه ومحيطه معرض للفشل، ذلك أنّ أولى خطوات إنجاح المشروع التنموي هي
التأطير والتوعية والتحسيس بغرض إدماج الفرد في دينامية المشروع وخلق الروابط
الإجتماعية والشروط النفسية والذهنية لنجاحه. ومن تمّ فاحترام العنصر البشري عبر
احترام رموزه الثقافية ولغته هو ما يمنح عمقا ثقافيا وإنسانيا للتنمية
وللديمقراطية في المجال المحلي والجهوي، ونعتبر التقسيم الجهوي القائم على أساس
حسابات المركز الأمنية أو الإدارية المحضة، من شأنه أن يعرقل التنمية الجهوية التي
قوامها إدماج الفرد في محيطه، ونرفض من هذا المنطلق التقسيم الذي اقترحته لجنة
الجهوية الموسعة، ونتحفظ على ما جاء فيه من مضامين لا تحترم المعايير الدولية
للجهوية، ولا تعطي الصلاحيات الكافية للجهة، كما تقوم على رؤية مركزية تغلب عليها
الحسابات الضيقة، وتتعارض مع كل ما اقترحه الفاعلون الأمازيغيون على اللجنة المعنية.
4) أن يتمّ
توفير الشروط الضرورية المادية والبشرية الكافية والترسانة القانونية المطلوبة
لإنجاح إدراج اللغة الأمازيغية في المسالك الدراسية، ومن الإجراءات المستعجلة
إيجاد مناصب الشغل الكافية للطلبة من خريجي مسالك الدراسات الأمازيغية بالجامعة،
وإنشاء وحدة خاصة داخل وزارة التربية الوطنية، للإشراف على حسن سير عملية إدراج
الأمازيغية في التعليم، مع مراعاة المبادئ والتوجهات التي تمّ إقرارها في منهاج
اللغة الأمازيغية، والمتمثلة في إلزامية اللغة الأمازيغية كغيرها من اللغات،
وتعميمها أفقيا على كافة التراب الوطني، وعموديا على كافة أسلاك التعليم وفي
الآجال المعقولة، وإكمال مسلسل توحيدها التدرّجي وتدريسها بحرفها الأصلي تيفيناغ،
ذي الشرعية التاريخيسة الضاربة في القدم، والذي حظي بشرعية وطنية وباعتراف دولي
منذ سنوات، وهي المبادئ التي يُعدّ أي تراجع عنها بمثابة تكريس الميز الصّارخ ضدّ
الأمازيغ. كما أصبح ضرورة مُلحة إنشاء شعب مستقلة للأمازيغية بالجامعات المغربية.
5) تطهير
المقررات الدراسية من كل المضامين التي يمكن أن توحي بنظرة تنقيصية تجاه الأمازيغ،
وإعادة الإعتبار للأمازيغية هوية ولغة وثقافة في كلّ المناهج والمقررات الدراسية
وخاصة منها مقررات التاريخ في كل أسلاك ومستويات التعليم، وإعادة قراءة تاريخ
المغرب بشكل علمي موضوعي بناء على أقدم الشواهد الأركيولوجية والأدبية، وإلغاء
المفاضلة المعيارية بين التاريخ القديم والمرحلة الإسلامية من تاريخ المغرب،
وإبراز دور الأعلام والشخصيات الوطنية بغضّ النظر عن أصولها ومرجعياتها ومجالات
عملها، وإطلاق أسماء الأعلام الأمازيغية على المؤسسات والشوارع والأزقة والفضاءات
العمومية، والعمل على القضاء على أية أحكام مسبقة خاطئة يمكن أن تضمرها أطراف ما
ضدّ المكون الأمازيغي، وأن يعطى في كتب التاريخ وغيرها من المواد التعليمية وصف
عادل ودقيق ومستنير عن الثقافة والحضارة الأمازيغيتين
6) تحرير
وسائل الإعلام العمومية من وصاية السلطة التنفيذية وتوجيهاتها ورقابتها، وجعلها
منبرا للنقاش العمومي الحيّ الذي يعكس حقيقة المجتمع المغربي بكل مكوناته. والعمل
في السياسة الإعلامية الرسمية على إخراج الأمازيغية من دائرة الطابو عبر التشجيع
على تعميق الحوار الوطني حول مكونات الهوية المغربية وأبعاد الشخصية الثقافية
الوطنية ودور الأمازيغية في البنيان الحضاري للمغرب، وذلك لتوفير المعارف الكافية
للمواطنين من أجل تغيير النظرة التنقيصية لثقافتهم الأصلية وتصحيح الأفكار المسبقة
التي تعود إلى سياسة التعتيم الإعلامي السابقة. كما ينبغي إنتاج نسبة 30 في المائة
من البرامج الأمازيغية بالقنوات التلفزية المغربية، أسوة بالقناة الأمازيغية التي
تنتج 30 في المائة من البرامج بالعربية. وإعادة برمجة المواد الإعلامية الأمازيغية
في القناتين الأولى والثانية بشكل يجعلها تحظى بحقها من البث في وقت الذروة،
وتمتيع القناة الأمازيغية بالبثّ الأرضي وبالإعتمادات المطلوبة حتى تتمكن من إنتاج
البرامج التي تحقق القدر المطلوب من الجودة، وتستجيب لحاجات المشاهدين. كما أصبح
أمرا مُلحّا هيكلة الإذاعة الأمازيغية المركزية في شكل مديرية مستقلة يتولّى
تسييرها مسؤولون ذوو إلمام بالأمازيغية لغة وثقافة، وتقوية أجهزة الدفع والبث
الخاصة بها حتى تشمل كافة المناطق القريبة والنائية، والزيادة في عدد ساعات البث
حتى تصل إلى 24 ساعة دون توقف، وإنصاف العاملين في الإذاعة الأمازيغية عبر تمتيعهم
بالشروط الطبيعية للعمل وبكلّ حقوقهم بالتساوي بغيرهم من الإعلاميين الآخرين،
ومنها حقهم في الإستفادة من دورات التكوين وخوض المباريات لنيل الجوائز
المختلفة وفي هذا الجانب نسجل انعدام الإهتمام بالحقوق الأمازيغية على مستوى
الإرشاد اليومي والتوعية في برامج الدولة، حيث يتلقى الأمازيغيون نفس الخطاب وبنفس
اللغة مع غيرهم، وقد قامت السلطات التربوية منذ سنة 2001 بإدماج مادة حقوق الإنسان
في البرامج التربوية والمقررات الدراسية دون أن يشمل ذلك بشكل واضح وسائل الإعلام،
كما لم تهتم ضمن تلك الحقوق بالحقوق الثقافية واللغوية والحق في الإختلاف
والتميّز، وتمّ التركيز على بقية الحقوق السياسية والمدنية، كما أن الخطاب العام
الذي يسود في موضوع الحقوق يستثني دائما جانب الحقوق الثقافية واللغوية وذلك نتيجة
تأثير السياسة الإستيعابية التي كانت تنهجها الدولة، حيث ما زالت الخطابات السائدة
تميل إلى التأكيد على أن المغاربة شعب واحد بلغة وثقافة واحدة وأصل واحد، رغم
الإعتراف الرسمي بالأمازيغية كمكون جوهري للشخصية المغربية منذ سنة 2001
7) ضرورة
اتخاد التدابير الكفيلة بجعل المواطنين المغاربة يتساوون أمام القانون كما يتساوون
في فهم مقتضياته وإجراءاته بلغات تواصلهم اليومية، وكذا أن يُفهم ما يقولونه فيها
عند الترافع أو التعبير عن الرأي، وذلك بتوفير الترجمات التحريرية والفورية
واستعمال وسائل الإعلام الجماهيري بلغات المواطنين أو بأي طريقة فعالة أخرى، وهو
ما لم يتم العمل به حتى الآن في المغرب حيث ما زال بعض رجال السلطة والقضاء
يطالبون المواطنين الأمازيغيين الذين لا يعرفون العربية أو لا يتقنونها بالتحدث
بها داخل المؤسسات، ويحرمونهم من حقوقهم عندما يكون ذلك متعذرا. وقد تمّ تسجيل
استمرار التعامل مع المواطنين الأمازيغيين الذين لا يتكلمون العربية تعاملا يقوم
على الميز وعدم الإعتراف بالحق في تكلم لغة خاصة، حيث يجبرون داخل الأوساط الرسمية
وفي الإدارة والمحاكم على التكلم بالعربية وفي حالة استحالة ذلك لا يلجأ المسؤولون
إلى الوسائل الكفيلة بالتواصل مع المعنيين، حيث يكتسي سلوك السلطة والإدارة طابعا
زجريا وانتقاميا.ورغم تعديل مدونة
الأسرة عام 2004 والقيام بحملة توعية بالتعديلات الجديدة في صفوف النساء فقد ظلت
المرأة الأمازيغية محرومة من حقها في فهم المدونة بسبب عدم استعمال الأمازيغية في
الحملات التحسيسية وخاصة في العالم القروي حيث توجد نساء لا يعرفن أي شيء عن حقوقهن.
وفي هذا السياق لم
تقم وزارة العدل بأية مبادرة من أجل إعداد ترجمة رسمية بالأمازيغية مكتوبة ومسموعة
ومرئية لنص المدونة، ولمختلف النصوص الأخرى، تتبناها الحكومة وتقوم بترويجها، وإن
كان فاعلون مدنيون أمازيغيون قد قاموا بذلك من خارج المؤسسات دون أن تتوفر لهم
القنوات الرسمية المطلوبة لتوزيع عملهم على السكان والتعريف به
8) التوزيع
العادل للثروات الوطنية، وتمكين الجهات من الإستفادة من خيراتها المادية والرمزية
ومن طاقاتها البشرية، والكف عن الترامي على أراضي القبائل والسكان في العالم
القروي واغتصابها بغير وجه حق، واستعادة الأراضي المسترجعة التي سبق تفويتها أو
كراؤها لشركات الخواص، وإرجاعها إلى أصحابها الشرعيين، وإلغاء مجلس الوصاية، ووضع
حدّ للنظام القانوني المعمول به حاليا في تسيير أراضي الجموع والموروث عن مرحلة
الحماية الفرنسية، والذي اعتمدته السلطات المغربية في مرحلة الإستقلال بنفس
الطريقة التي ساد بها من قبل في عهد الإستعمار. كما ندعو إلى احترام القوانين
الوطنية والدولية في استغلال المناجم والصيد في أعالي البحار، ومراعاة حقوق السكان
ومصالحهم كأولوية لا تقبل المماطلة والتسويف، وفرض الشفافية في موضوع المناجم
والثروات البحرية حتى تناقش في البرلمان والحكومة، وإنهاء احتكار جهات معينة
لاستغلال هذه الخيرات بشكل انفرادي يهدف إلى الإثراء السريع على حساب حقوق الشعب
المغربي
9) رفع المنع
بشكل نهائي عن الأسماء الأمازيغية في مكاتب الحالة المدنية، وإلغاء اللوائح التي
تفرض أسماء معينة على حساب أخرى، وإلغاء اللجنة العليا للحالة المدنية، واحترام
حرية الآباء والأمهات في اختيار الإسم المناسب لأبنائهم بكل حرّية.0) إعادة
الإعتبار لأسماء الأماكن الأمازيغية بالمغرب والتعريف بمعانيها ودلالاتها في
المدرسة ووسائل الإعلام، والتراجع عن تحريفها في اللوحات والعلامات الطرقية، كما
حصل على مدى خمسين سنة المنصرمة، مما أدّى إلى طمس الكثير من هذه الأسماء وتعريب
جغرافية المغرب بنسبة كبيرة، خلافا لما تقرّه النصوص الدولية التي تدعو إلى عدم
تغيير أسماء الأماكن أو تعويضها بأسماء من لغة أخرى، حفاظا على الهوية الجغرافية وتاريخ
البلد وحضارته. كما ينبغي الكتابة على واجهات المؤسسات العمومية والشبه عمومية
والعلامات واللوحات بالحرف الأمازيغي تيفيناغ بجانب الحرف العربي، وإفساح المجال
أمام استعماله في الواجهات الخاصة، وذلك لكونه الحرف المقرر رسميا لتعليم اللغة
الأمازيغية في المدارس المغربية، ولما يرمز إليه من عراقة وعمق تاريخي للمغرب
وشمال إفريقيا، وإنهاء احتكار الفضاء العموميّ من طرف اللغتين العربية والفرنسية،
وكفّ بعض الأطراف عن التطلع إلى فرض لغة وحيدة في كافة مناحي الحياة العامة كلغة
للدولة وللمجتمع المغربي.
11) إطلاق كافة المعتقلين السياسيين ومنهم طلبة
الحركة الثقافية الأمازيغية بالجامعة (مكناس)، وإتاحة الفرصة لهم لمواصلة دراستهم
في أحسن الظروف، والكفّ عن ملاحقتهم ومحاصرة أنشطتهم بالجامعة، وتمكينهم من حقهم
في التعبير عن آرائهم بكل حرية.
12) الحرص على تمثيلية الفاعلين الأمازيغيين
في المجالس واللجان الوطنية التي يتمّ إنشاؤها من أجل وضع خطط أو برامج وطنية، أو
صياغة مرجعيات سياسية وقانونية، وذلك بالتساوي في العدد مع مواطنيهم المنتسبين إلى
العروبة، وتمكينهم من المشاركة في بلورة الخطط والتصورات الكفيلة بتحقيق التنمية
الشاملة التي لا تستثني أي عنصر من العناصر. وإنهاء احتكار عائلات معينة للمناصب
الدبلوماسية بغير وجه حق، ومراعاة الكفاءة في تولي مثل هذه المناصب التي يكون لها
تأثير في صورة المغرب في الخارج وعلاقاته بدول العالم. كما ندعو إلى إنهاء الحجر
على الأمازيغ في مجال الجيش، والسماح بترقيتهم على قدر كفاءتهم وتفانيهم في خدمة
وطنهم، وعدم تمتيع أبناء عائلات معينة دون غيرهم بالحق في الترقية إلى درجة جنرال.
13) تشذيب الخطاب الرسمي للدولة المغربية من
كل المفاهيم والعبارات الإقصائية التي تصنف المغرب ضمن الدول العربية أو
"الوطن العربي"، وذلك احتراما لمشاعر المواطنين المغاربة الأمازيغيين،
وتوسيع علاقات المغرب الخارجية وتعميقها مع البلدان الإفريقية والأسيوية
والأوروبية والأمريكية، وعدم المراهنة على الإنتماء المشرقي كخيار حضاري وحيد لما
في ذلك من ضياع لمصالح المغرب، ومن تهديد لأمنه واستقراره، بسبب الإيديولوجيات
الهدّامة التي مصدرها بلدان الخليج العربي والشرق الأوسط. وفي هذا الصدد ينبغي
التفكير انطلاقا من مبدإ تعددية الهوية الأمازيغية للمغرب في مغادرة جامعة الدول
العربية، التي آلت كل جهودها إلى الفشل بسبب عدم معقولية منطلقاتها ومقاصدها،
وبسبب تعارض قوانينها مع مبادئ حقوق الإنسان كما هي متعارف عليها عالميا
14) ندعو الأحزاب السياسية المغربية إلى
القيام بثورة داخلية لتجديد شرعيتها، وذلك عبر الخروج من جمودها الإيديولوجي،
وإنهاء ارتباكها الفكري وتخبّطها المذهبي، وتوسيع النقاش مع قواعدها في كل مناطق
المغرب، والإصغاء إلى أصوات المجتمع، والحسم في إشكالية الهوية والإنتماء
المغربيين لصالح المنظور الديمقراطي الذي يحترم كل المكونات وفي صدارتها
الأمازيغية هوية ولغة وثقافة، والكفّ عن الإستغلال الموسمي للأمازيغية في فترات
الإنتخابات والتنكر لها بعد ذلك في العمل السياسي اليومي.
وفي الختام نعتبر
نداءنا هذا نداء الأحرار الأمازيغ موجّها إلى كل المؤمنين بالديمقراطية من
المغاربة، إيمان صدق لا من قبيل التظاهر والرياء، وهدفنا الإسهام في إنجاح
الإنتقال السلمي نحو دولة القانون، التي تكفل الحريات وتضمن المساواة والعدل بين
جميع أفراد الشعب المغربي، الذي يستحق الحرية بعد كل التضحيات الغالية التي بذلها.
وإذ نعلن انضمامنا لحركة الشارع المغربي ودينامية الشباب المدفوع بالأمل والتطلع
إلى غد أفضل، وإلى كل القوى الديمقراطية في بقية المطالب السياسية التي لم يرد
التفصيل فيها في هذه الوثيقة، والتي لا غنى عنها لإقامة دولة القانون والمؤسسات،
فإن انخراطنا في النقاش الذي أثاره مسلسل مراجعة الدستور بحسن نية وبإرادة صادقة
في خدمة وطننا، لا يعفينا من التحلّي باليقظة والحذر في هذه المرحلة التي نريدها
أن تكون حاسمة في المرور نحو توطيد دعائم البناء الديمقراطي، ومن تمّ نعلن أن
المطالب المشروعة المعلنة في هذه الوثيقة في حالة ما إذا لم يستجب الدستور المقبل
لها، فإننا سنساهم في الدعوة إلى مقاطعة الإستفتاء المرتقب، والإستمرار في النضال
من أجل انتزاع حقوقنا التي لا تنفصل عن المشروع الديمقراطي الشامل.
محررو النداء:
محمد
شفيق ـ أحمد عصيد ـ ليلى أمزيان ـ محمد الشامي ـ حسن إدبلقاسم ـ محمد مونيب ـ هنو
لعرج ـ مريم الدمناتي ـ كمال سعيد ـ الحسين جهادي ـ عبد السلام خلفي ـ زايد أوشنا
ـ علي امصوبري ـ محمد أودادس ـ محمد صلو
Aucun commentaire:
Enregistrer un commentaire